نظم المنتدى الاقتصادي العالمي جلسة حوار ناقش فيها خبراءٌ ضرورة التعاون ما بين قادة الشرق الأوسط للموازنة بين أهداف الصافي الصفري للانبعاثات الكربونية الطموحة، والواقع الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة. وأقيمت هذه الجلسة بعنوان “التحول إلى شرق أوسط أخضر” ضمن الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2022 في دافوس، سويسرا. وجاء هذا الحوار في وقت مهم نظراً لاقتراب انعقاد المؤتمريْن القادميْن للأمم المتحدة عن تغير المناخ COP27 وCOP28 في المنطقة، وتحديداً في مصر والإمارات العربية المتحدة على التوالي.
وأدار هذه الجلسة رئيسة تحرير مجلة “ذا ناشونال” مينا عرابي، وتحدث فيها خبراء من القطاع الحكومي والأعمال وتبادلوا الرؤى ووجهات النظر عن كيفية الوصول إلى مستقبل أكثر مرونة واستدامة. وكان من بين المشاركين معالي وزير الاقتصاد في الإمارات العربية المتحدة عبد الله بن طوق المري، ومعالي وزير الاقتصاد والتخطيط في المملكة العربية السعودية فيصل الإبراهيم، والرئيس التنفيذي للهلال للمشاريع بدر جعفر، والرئيس التنفيذي لمركز قطر المالي يوسف محمد الجيدة، والبروفيسورة المعاونة في قسم الأحياء الذرية في جامعة قابوس لمياء الحاج.
تُعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أكثر المناطق تأثراً وتضرراً بتغير المناخ، لا سيما مع المشكلات المناخية الشرسة التي تعانيها المنطقة من جفاف وشح في المياه وتفاقم التلوث.
ولكن من جهة أخرى، تتميز هذه المنطقة بمقومات تمكنها من قيادة توجهات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر والأزرق. وفي حين أن النفط والغاز سيستمران بتأدية دور أساسي في قطاع الطاقة الإقليمي، بدأ يظهر في هذه المنطقة اقتصاد جديد أكثر دائرية. ومن هذا المنطلق، يقف قادة المنطقة عند مفترق طرق يتطلب منهم تحقيق اقتصادات أكثر استدامة والتعامل في نفس الوقت مع الاعتبارات والتحديات المصاحبة لتحول الطاقة.
وقال في هذا المناسبة بدر جعفر، الرئيس التنفيذي لشركة الهلال للمشاريع: ” منذ سنوات عدة وأنا أدعو إلى تعزيز سياسات الطاقة الرشيدة التي تدعم التقدم المستدام لأنظمة الطاقة، ولكن مع الحرص على ألا يكون ذلك على حساب أمن الطاقة أو عائقاً للتقدم الاقتصادي والاجتماعي في الدول النامية في العالم.”
وتابع: “بتبني نهج تطويري مستدام ومرن وشمولي، سنتمكن من ابتكار نموذج نمو جديد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتيح فرص عمل جديدة فيها ويعزز مرونتها المناخية وقدرتها على إزالة الكربون، ويوفر لها هواء ومياه وبحاراً أكثر نظافة ونقاوة، وأنظمة غذائية وزراعية أكثر استدامة.”
وجدير بالذكر أن الهلال للمشاريع، وهي مجموعة شركات عالمية مقرها الإمارات، تستمر في الاستثمار في جهود تطور الطاقة عبر عملياتها وشركات محفظتها ومبادرات المواطنة المؤسسية التي تنفذها. ففي السنوات الثلاثة الماضية، وصلت استثمارات الشركة في المشاريع المستدامة إلى أكثر من 300 مليون دولار عبر العالم، وخُصص أكثر من 70% منها لأسواق النمو العالمية. ومن المجالات الرئيسية التي تركز الشركة عليها أيضاً تعزيز النقل المستدام في المنطقة، وذلك من خلال شركاتها التابعة العاملة في الشحن والخدمات اللوجستية، وهي غلفتينر ومونتوم لوجيستكس، وكذلك من خلال التعاون في تأسيس شركة “آيون” للنقل المستدام ومقرها الإمارات، التي تهدف إلى إرساء بنية تحتية خالية من الانبعاثات لقطاع النقل في المنطقة.
وقد عبّر المتحدثون في الجلسة عن وجهة نظر مشتركة تفيد بأن جهود التغيير في المنطقة ستتطلب منهجية عمل يشارك فيها جميع أصحاب المصلحة وتُصاغ بصورة تلبي المتطلبات والخصوصيات الإقليمية. ومما يدعو إلى التفاؤل تزايد المبادرات التعاونية في المنطقة ما بين الحكومات والأعمال والمجتمع المدني، مع ارتفاع ملحوظ في رؤوس الأموال والوقت والمواهب المكرسة لتعزيز البنية التحتية اللازمة لتحقيق النمو والتقدم. وقد استثمرت الإمارات العربية المتحدة 40 مليار دولار في مجال الطاقة النظيفة في السنوات الخمسة عشر الماضية، وتخطط لضخ 160 مليار دولار إضافي في مشاريع الطاقة المتجددة في العقود الثلاثة القادمة للوصول إلى صافٍ صفري للانبعاثات الكربونية.
وعلق في هذا الخصوص معالي وزير الاقتصاد في الإمارات العربية المتحدة عبد الله بن طوق المري، قائلاً: “أمن الطاقة من أولوياتنا، وهو أمر علينا أن نعيه ونفهمه جيداً. وسيكون لما نراه من تجزئة على مستوى العالم، وموارد الطاقة، شديد الأثر على قطاع الطاقة في المرحلة القادمة. لذلك، وضعت دولة الإمارات خطة حصيفة بعيدة المدى.” وأضاف: “وبتأسيس شركة مصدر، ونصب الألواح الشمسية على مستوى العالم، والمشاريع التي تساعد الدول على تنويع إمدادات الطاقة، يتجلى التزام دولة الإمارات بالاستثمار بأمن الطاقة المستقبلي…والاستثمار في تنويع جوانب الطاقة ضروري وأساسي لأي مشروع أو مبادرة تنموية مستقبلية في المنطقة.”
وأشار بدر جعفر في حديثه إلى تعهد الصافي الصفري الذي التزمت به دولة الإمارات والاستراتيجية المرتبطة به للوصول إلى صافٍ صفري للانبعاثات الكربونية بحلول 2050، واصفاً إياهما بالنموذج الاستثنائي للسياسات العملية والفعالة، إذ قال: “من الممكن تحقيق هذا كله بسياسات الطاقة الحكيمة، وليس بالخطابات المسيّسة. وتعهد دولة الإمارات والاستراتيجية المرتبطة به لتحقيق صافٍ صفري بحلول 2050 هو خير مثال على السياسات العملية والفعالة التي تعتمد على مزيج من مصادر الطاقة المتجددة، والغاز الطبيعي، والهيدروجين، والطاقة النووية، لتضمن توفر إمدادات طاقة ميسورة التكلفة ومتاحة للجميع تلبي الطلب المتزايد على الطاقة من الصناعات ومن حاجات السكان.”
وقد شارك نحو 2,500 من قادة القطاع الحكومي والأعمال والمجتمع المدني والمجال الأكاديمي والإعلام من جميع أنحاء العالم في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2022 المنعقد هذا الأسبوع. وتركز جميع النقاشات المطروحة في الاجتماع على محور “التاريخ عند نقطة تحول: السياسات الحكومية واستراتيجيات الأعمال”. يمكنكم مشاهدة تسجيل جلسة “التحول إلى شرق أوسط أخضر” على هذا الرابط.