قطاع الحرف في لبنان
دراسات معمقة، ورؤية استراتيجية
تلعب الحرف في لبنان دوراً اقتصادياً وثقافياً بارزاً وتشكَل منفساً معيشياً لآلاف المواطنين، إلا أنَّ بعضها مهدّد بالزوال بسبب سوء التنظيم والإهمال في السياسات العامة وعوامل أخرى إضافة إلى غياب قانون واضح ينظم العمل والتسويق مما يفقدها دورها الاقتصادي والثقافي.
جاء ذلك في دراسة أعدّتها جمعية “نحن” حول واقع قطاع الحرف في لبنان وسبل إنقاذه وتطويره، لا سيما في ظل الواقع الاقتصادي في البلاد. شارك في إعداد الدراسة خبراء اقتصاديين ومختصّين في السياسات العامة والحرف.
في البداية أجرت جمعية نحن دراسة اقتصادية واجتماعية لفهم واقع قطاع الحرف في لبنان، قامت بإعدادها الدكتورة فرح مكي. كما قام الدكتور علي مراد بإجراء دراسة مقارنة بين لبنان وبلدان عربية عملت على تطوير قطاع الحرف لديها على اعتبار أنه جزء من الاقتصاد الوطني مثل المغرب وتونس وغيرها من البلدان.
كذلك استعانت جمعية نحن بشركة متخصصة بالدراسات الاقتصادية للقيام بدراسة حول القيمة الاقتصادية الحالية لقطاع الحرف والنتائج المتوقع الوصول إليها في حال جرى الاهتمام بهذا القطاع ومقدار مساهمته في الاقتصاد اللبناني.
نتيجة لذلك، توصلت الجمعية إلى صياغة “ورقة السياسات العامة” التي قام بتطويرها الدكتور علي مراد والدكتور كنج حمادة.
وقد تمّ عرض نتائج هذه الدراسة ومناقشتها في مؤتمر أقيم نهار السبت الواقع فيه 18 كانون الأول في أوتيل بادوفا، سن الفيل على أمل إتباعها بخطوات من أجل تطبيقها وتبنيها من قبل السلطات المعنية
تضمنَت الدراسة مسحاً شاملا لعدد من الحرفيين في لبنان، والقيمة الاقتصادية لقطاع الحرف في لبنان الذي قٌدّر عام 2019 بنحو 28.5 مليار ليرة لبنانية، إضافة إلى تصوّر حول دور السياسات العامة في تطوير هذا القطاع.
وجاءت هذه الدّراسة لتبيّن غياب تعريف واضح لقطاع الحرف أو الأشخاص العاملين فيه في القانون اللبناني. كما أضاءت على معاناة الحرفيين من المنافسة الاقتصادية وحالة الجمود في هذا المجال، وأشارت الدراسة الى أنّ عددا كبيرا من الحرفيين لايقومون بتوريث مهنتهم لأولادهم أو بتعليمها لأشخاص آخرين، الأمر الذي يهدد باختفائها مع مرور الزمن.
يأتي ذلك كله مع معاناة معظم الحرفيين من ارتفاع كلفة المواد الأولية لمنتجاتهم في ظل غياب ما يعرف ب”سلسلة الإنتاج” في لبنان، وذلك بسبب الاعتماد على الاستيراد نتيجة انخفاض كلفته امام الانتاج المحلي. إضافة إلى معاناتهم من عدم وجود ما يعرف بـ”شهادة منشأ” للمنتج أي عدم امكانية تسجيله على اعتبار أنه “صنع في لبنان” وبالتالي عدم إمكانية تصديره إلى الخارج.
المؤتمر:
– نقيب الحرفيين أ. حسن وهبي:
في البداية تحدث نقيب الحرفيين الأستاذ حسن وهبي عن واقع قطاع الحرف في لبنان. وعرض المشاكل التي يعاني منها هذا القطاع بالدرجة الأولى وأعطى مثالاً مجال الزجاجيات الذي أصبح محصوراً بشخص واحد فقط في كل لبنان لا سيما أنّ هذه الحرف تشهد مضاربة خارجية خصوصاً من الصين.
كما أدلى النقيب بمجموعة من الخطوات التي قد تسهم في تحسين أوضاع الحرفيين في لبنان وفي مقدمتها السّماح لهم بالانتساب إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الاختياري، السعي إلى إيجاد أسواق خارج لبنان من أجل تسويق منتجاتهم، تأمين معارض خاصة لهم دون أن يترتب عليهم تكاليف باهظة سواءً ضمن أنشطة تابعة لوزارة السياحة أو وزارة الثقافة. وأخيراً، تأمين البطاقة التموينية لكل حرفي منتسب للنقابة.
ولفت النقيب إلى أن وزارة الصناعة كانت قد أعطت النقابة صالة جعلت منها مقراً لها وصالة أخرى تصلح لأن تكون مركز تدريب، سبق أن أجرت فيه النقابة عدداً من الدورات التدريبية. والآن تسعى النقابة الى تأمين المعدات اللازمة للتدريب حتى لا يضطر كل راغب في المشاركة إلى إحضار معدّاته معه.
كذلك تأمل النقابة، بالتعاون مع وزارة الثقافة أو التربية، من التمكن من إعطاء شهادة مصدقة إلى كل متدرب يشارك في الورش التدريبية التي تجريها النقابة، تؤهله بموجبها المباشرة بالعمل الاحترافي.
وختم مؤكداً أن المجلس التنفيذي للنقابة لا يوفر جهداً في تأمين الدعم اللازم للحرفيين في كل ما يحتاجون إليه.
– الدكتورة غنى طبش:
ثم تحدثت الدكتورة غنى طبش حول القيمة الاقتصادية للحرف في لبنان، لافتةً إلى أن القيمة المضافة السنوية للقطاع الحرفي بالليرة اللبنانية 28,458,230,257.50 ل.ل.
وقالت أن هذه الدّراسة تسعى”إلى بناء مؤشر القطاع الحرفيّ اللبناني حول كِلا المنظورين الثقافي والاقتصادي لتوفير أداة شاملة وقابلة للقياس لتحديد مساهمة القطاع الحرفيّ في الاقتصاد والمجتمع”.
ورأت أنّ “من المساهمات المهمة لهذه الدراسة أيضًا عملية المسح التي أُطلقت وأدّت إلى تحديث قوائم الحرفيين وقاعدة البيانات على المستوى الوطني”.
وختمت معتبرةً:”أنّ العمل الحرفيّ لا يُبرز تقاليد البلدان وثقافتها وحسب، بل يضفي على الأوطان هوية، وحسّ انتماء، كما يوفّر لها مداخيل ماليّة”.
-الدكتور علي مراد:
ثم قدم الدكتور علي مراد مداخلة تحدث خلالها عن ورقة السياسات العامة المقترحة حول قطاع الحرف ذات الطابع الإبداعي والتراثي في لبنان وهي تتناول السياق العام لتطوّر قطاع الحرف على مستوى العالم وعلى مستوى لبنان ومن ثم الرؤية العامة لهذه الدراسة التي تركز على مجموعة من التحديات القانونية والإدارية في سبيل تطوير القطاع .
وأضاف أنّ هناك تحدّ يتمثل في تعريف وتبيان مفهوم القطاع الحرفي في لبنان وقد طرحت الدراسة مجموعة من الأسئلة البحثية حول أهم ملامح السياسات العامة في لبنان للصناعات اليدوية وكيف تطورت ومن هم أبرز الفاعلين الرسميين وغير الرسميين واقترحت إيجاد الحلول.
واعتبر أنه: “بالنسبة للتعريف وعلى الرغم من كل الجهود التي بُذلت، لم يستطع أحد أن يضع تعريفًا واضحًا في هذا المجال، وأنّ التعريف الذي تعتمده وزارة الشؤون الاجتماعية تربطه بالفئات المهمّشة وبحالة نمطية من الحرف اليدوية، وهو خيار يعرقل تطور هذا القطاع. وبهذا المعنى وفي ظل الالتباسات حول مصطلح “حرف”، تجد الورقة ضرورة في عدم الاكتفاء بهذا المصطلح والذهاب الى تحديد أوسع من خلال اعتماد مصطلح “قطاع الحرف ذات الطابع التراثي والإبداعي”، أي كل الأنشطة الحرفية التي تمثل منتجًا يتميز بطابعه التراثي ويرتكز بشكل أساسي على المهارات اليدوية في معظم مراحل إنتاجه عبر تحويل المواد الأولية الى منتج نهائي أو غير نهائي يحمل طابعا فنياً إبداعياً، مع ارتباطه اجتماعياً وثقافياً بمكان الإنتاج أو مكان إقامة العاملين في القطاع، في الريف أو في المدينة”.
كما لفت الدكتور مراد إلى أهمية تطبيق نقطتين أساسيتين في الدراسة: الأولى هي خلق السجل الحرفي لما له من أهمية في رعاية القطاع وتطويره والثانية هي رفع الكفاءة لدى الحرفيين وتسهيل الوصول إلى الضمانات الصحية والاجتماعية.
وختم بأن” هذه الدراسة تقترح تأسيس هيئة الوطنية للصناعات الحرفية على أن تكون هيئة مستقلة تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية وينضم إليها باقي الوزارات والفاعلين والنقابيين وتكون هي المولجة بالقيام بمجمل الدراسات والخطط المتعلقة بهذا القطاع.
وقد تمت مناقشة ورقة السياسات العامة مع الحاضرين وتلا ذلك حفل كوكتيل بالمناسبة.