ادى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس والقى خطبة الجمعة التي قال فيها: بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين وأصحابه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين
والسلام عليكم أخوتي وأخواتي ورحمة الله وبركاته
وأسأل الله تعالى أن يديم علينا نعمة الإيمان ونعمة الولاية له ولرسوله وأوصيائه عليهم السلام التي هي من أعظم النعم على الإطلاق، هذه النعمة المستوجبة للشكر ككل نعمة من النعم صغيرة وكبيرة، وقد جاء التوجيه الإلهي في القرآن الكريم لذلك قال تعالى (ربي أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) من باب تعظيم النعمة وأنها تستحق التقدير وأن التفريط والإستخفاف بها يؤدي إلى عدم العناية بها وعدم الإستفادة منها، وبالتالي فإن للنعم فرصاً تفوت وتذهب إن لم نحسن إستغلالها، وكيف يمكن لنا أن نحسن الإستفادة منها إن لم نقدرها كالكثير من النعم ربما لتوفرها لا نلتفت لأهميتها ولا نحس بضياعها عند عدم الإستفادة منها كمياه الأمطار أو مياه الأنهار التي تذهب سدى من دون إستغلال ومن دون تقدير للأتي من الأيام وإمكانية حصول الجفاف لعدم الإحساس بالمسؤولية ونعمة الصحة أو القوة أو الشباب حينما لا نستغلها أو نحسن الحفاظ عليها أو نفرط في إستهلاكها، يعبّر عنه في الثقافة القرآنية بالإسراف والتبذير والذي يجعل من هؤلاء أي المسرفين والمبذرين فاقدي الأهلية للتصرف بالمال، وجاء وصف المبذرين في الكتاب العزيز بإخوان الشياطين (إن المبذرين كانوا أخوان الشياطين) كما جاء النهي عن الإسراف في كتاب الله العزيز بقوله: (إن الله لا يحب المسرفين)، وأنه من أتباع خطوات الشيطان (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفاً اكله والزيتون والرمان متشابهاً وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ومن الأنعام حمولة وفرشاً كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) حيث بدأ تعالى ببيان عظمة خلقه وصنعه بما أوجده من هذه النعم وعقَّب على ذلك بوجوب الإستفادة منها وعدم التفريط بها، وهذه مسؤولية يتحملها الإنسان فرداً وجماعة ويتوجب إدارة هذه الموارد بمسؤولية كبرى لنفع المجتمع الإنساني وتأمين التقدم والإستمرار له وتنميتها وتوزيعها بشكل عادل ومنع الفوضى في التعامل معها وإحتكارها والإستئثار بها أو التسلط عليها (فالمال مال الله)( والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله)، (إن الله سبحانه وتعالى فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما مُتِع به غني وإن الله تعالى مسائلهم عن ذلك).
أيها الاخوة والاخوات، إن مهمة الحكم هي تطبيق العدالة الإجتماعية والحاكم هو من يمتلك المواصفات التي تمكّنه من القيام بهذه المهمة من العدالة والعلم والمعرفة وحسن الإدارة والشجاعة، وليس الأكثر مالاً أو عشيرة أو غيرها من المواصفات المادية فهي خضوع لمنطق القوة والغلبة التي لن تحقق عدالةً أو إستقراراً، وتجعل موضوع السلطة مادة للنزاع المستمر والصراع الذي يدفع ثمنه الضعفاء وتكون القيم الأخلاقية والعدالة الإجتماعية والإستقرار الإجتماعي الضحية والخاسر الأكبر كما هو الحال الواقع في أغلب الأحيان ،وطالما كانت هذه المعايير هي التي تتحكم بهذا الواقع فستظل المجتمعات البشرية تفتقد العدالة والإستقرار.
أيها الاخوة، إن الواقع يستمدّ شرعيته من منطق الحق وليس على أساس الغلبة والإخضاع كما هو المنطق الأخر الذي يحاول بذلك أن يبرر نفسه وأن يُعطي لنفسه الشرعية لأنه يخالف المنطق، كما أنه من الناحية العملية أخفق في إيجاد الإستقرار في الدائرة الأوسع على مستوى العالم أو في الدوائر الأضيق على مستوى الدول وفي داخل المجتمعات المحدودة التي يُشكل المجتمع اللبناني واحداً منها وحُكمت بمنطق صراع الأقليات فإفتقد وحدته الوطنية وإستقراره الداخلي. وأدى إلى التفريط بسيادته التي اعتاد العدو الإسرائيلي على انتهاكها والتفريط بثرواته التي إما إنتُهبت أو بقيت دون إستغلال لصالح الشعب اللبناني بفعل ضعف الحكم والصراعات الداخلية للاستحواذ على المنافع واختلال الإدارة وفسادها وزيادة الفقر وضرب البنى التحتية، وخسارة الكفاءات وحرمان اللبنانيين من الإستفادة منها والتي كلّفت لبنان أثماناً باهظةً و أُجبرت على الهجرة إلى الخارج وإستغلالها بأجور مهينة كل ذلك بفعل نظام طائفي متخلّف.
لقد رُفِعّ شعار الأقليات بحجة الحماية لها من أوهام إبتلاعها من الأكثرية ولكن الذي حصل هو العكس تماماً حيث لم تُحم هذه الأقليات وأُدخلت في صراعات داخلية لا نهاية لها جعلتها ألعوبة بيد الغرب الإستعماري صاحب هذه الكذبة لتحقيق مصالحه وليس من أجل حمايتها أو الحفاظ عليها.
وقد تنبه بعض اللبنانيين إلى هذه الحقيقة وأدركوا أنهم جُروا إلى هذه اللعبة الدولية القذرة التي تريد فصلهم عن إنتمائهم العربي والمشرقي وعبّروا عن ذلك بوضوح، وهو أمر يدعو إلى التفاؤل ونأمل في شيوع هذا الوعي لدى البعض الآخر ممن لا يزال يعيش هاجس الخوف والإنفصال عن الواقع، وأن يُدرك الجميع سريعاً أن الحماية لن تأتي من الغرب ومن شعار حماية الأقليات ولا من الإمتيازات الطائفية وإنما بصناعة وطن حقيقي يحقق العدالة لجميع بنيه، إضافة إلى الخروج من منطق الصراعات السياسية العبثية ومن خلفية الإنتقام للأحقاد الشخصية وتسجيل إنتصارات وهمية.
أيها الأخوة، لقد أدى المنطق والممارسة العملية الذي وضعه الإمام السيد موسى الصدر وقاد إنتصارات المقاومة وإضعاف الأساس الذي إستُنِدَّ عليه للواقع اللبناني والعربي في المرحلة الماضية إلى تبدلات هائلة في موازين القوى في المنطقة وجعل من العامل الإسرائيلي الذي كان الأساس في المعادلات القائمة الأضعف مما ساعد في خلق ظروف جديدة لصالح إستعادة الوحدة للمجتمع اللبناني، وما نشهده اليوم من تأزم للواقع السياسي الذي تمظهر في الفراغ في المؤسسات الدستورية ليس إلا مخاضاً لهذا التحول علينا أن نتعامل معه بواقعية وحكمة.
كما ساعد الواقع الجديد الذي أوجدته المقاومة في لبنان على تبدل صورة الصراع في المنطقة وأعاد للقضية الفلسطينية وهجها وللمقاومة الفلسطينية ألقها كما يثبته الشعب الفلسطيني كل يوم في المواجهات البطولية التي يخوضها في الضفة الغربية بعد أن بدا للعدو الإسرائيلي أن الشعب الفلسطيني قد إستكان وخضع لما أراده.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين واله الاطهر المعصومين، يقول تعالى في كتابه العزيز:(إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر) صدق الله العلي العظيم.