قبل الغوص في موضوع “الحياد” وموقفنا منه لا بد من التطرق إلى كيفية طرح هذه المسألة الحساسة من قبل البطريرك الراعي.
من المعروف أن الحياد يفترض تحقيقه الآتي:
أ-إجماع وطني.
ب-توافق إقليمي بين القوى المتصارعة.
ج-اعتراف دولي.
في ما يتعلق بالشرط الأول، ومع تحفظنا على تدخل المرجعيات الروحية في السياسة، كان يتوجب على غبطة البطريرك أن يبادر – وقبل طرح الفكرة علناً – إلى الاتصال ب”المرجعيات الروحية” لدى سائر الطوائف والتشاور معها بشأن الفكرة، وذلك من دون أي إعلان. أما مبادرته إلى طرح موضوع “الحياد” بهذا الشكل فهذا يعمق الانقسامات الطائفية بين اللبنانيين ولا يحقق الشرط الأول المشار إليه وهو الإجماع الوطني.
إضافة إلى ما تقدم فقد عمد البطريرك إلى دعوة الأطراف والزعامات “المارونية” لتأييد هذه الفكرة ما يعزز فئوية الطرح ويعمق الانقسامات بين اللبنانيين.
أما لجهة الصراعات الإقليمية، وأكثرها حدة ووضوحاً الصراع العربي -الإسرائيلي ، وبشكل أكثر تحديداً الصراع بين سوريا والفلسطينيين من جهة والعدو الصهيوني من جهة أخرى فإننا نسأل غبطته عن هذا “الحياد”، وهل المطلوب أن يقف لبنان الذي تحتل إسرائيل جزءاً من أراضيه على مسافة واحدة بين سوريا والفلسطينيين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى؟
ويقول غبطته أن هوية لبنان هي “الحياد”، وأن دستور لبنان يملي عليه “الحياد”. غريب! ندعو صاحب الغبطة أن يقرأ جيداً الدستور، فبحسب هذا الدستور لبنان عربي الهوية والانتماء.
يا صاحب الغبطة “الحياد” ليس هوية. حتى الدول المعترف أممياً بحيادها لا تعتبر “الحياد” هويتها ولكنه سياستها. وثمة فارق كبير بين الهوية والسياسة.
أما الشرط الثالث لتحقيق هذا “الحياد” فهة الاعتراف الدولي به. وهذا شأن الدولة الللبنانية وليس شأن المرجعيات الروحية. وكما تعرف يا صاحب الغبطة إن الدولة اللبنانية المتعددة
الطائفيات للأسف لا يمكن أن تذهب في هذا المنحى متحدة بل منقسمة ومقسمة، فهل أن هذا يفيد لبنان وشعب لبنان؟
وبعد ذلك في ظل الصراع الدولي المستعر في منطقتنا اليوم، هل تتوقع إجماعاً دولياً على “حياد” لبنان؟ أميركا يا صاحب الغبطة ليست كل العالم، وفرنسا “الأم الحنون” ليست كل العالم، و”المجتمع الدولي” أوسع بكثير من خارطة فارس سعيد وأعقد بكثر من عظات سمير جعجع.
يا صاحب الغبطة أظنك تتفق معي على أن سلامة الوطن اللبناني هي من أقدس المقدسات وأن دماء الشعب اللبناني كله، ومن بينهم المسيحيين، هي من أقدس المقدسات.